قليلا ما تجد نصاً قصصياً يحتوي على مواصفات مقبولة، وخاصة في الأدب الأهوازي حديث النشأة. ولقد جلبت انتباهي قصة؛ في سوق عبدالحميد، من المجموعة القصصية ذات العنوان “يوميات شارع ١٤” للكاتبة مريم لطيفي. فسطرت أحداث قصة قصيرة بأسلوب كلاسيكي منتظم هادئ يتمتع بسلاسة وسهولة وتلميح وتصربح خفيفين ممتعين.
لقد قامت السيدة لطيفي من خلال تسمية القصة والإشارات الأخرى على التأكيد على عروبة المنطقة وهي تصف المكان وأسماء الأحياء والشوارع من قرب. وهذه ميزة قلّما تجدها عند كثير من الكتاب حيث لم ينزلوا إلى الرصد والتحقيق الميدانيين.
ثم استعملت السيدة الكاتبة حوارات وأشعارا باللهجة الأهوازية المحلية. فجاءت اللجهة رصينة ونظيفة وسهلة ومتداولة، مؤكدة على لهجتنا الأهوازية الجميلة.
ومن خلال الإيغال في نفسية بطلة القصة تظهر الكاتبة مدى اطلاعها على ما يدور في عقلية المرأة الأهوازية… مِن مخاوف وهواجس واحتياجات وآمال. فتقول الكاتبة أشياءً على لسان بطلة القصة مختصرة وهامة ومعبرة عن عقلية المرأة الأهوازية.
وعندما تصف “زاير غانم” أحد شخوص القصة، تقدم عيّنة جيدة من الرجل الأهوازي. الرجل الأهوازي الذي يتمتع بالرصانة والهيبة والوقار. فلا يصدر منه أمرا إضافيا ليبقى رمزا مقبولا للرجل العربي الأهوازي.
وأما الوضع الإقتصادي الضعيف جدا للشعب الأهوازي وخاصة معاناة المرأة والمرارة التي تتذوّقها يشكل إطار لوحة القصة. النساء اللواتي يفترشن الأرض ليبعن بضاعة بسيطة.. ومن جانب آخر ترى رجال البلدية يقومون برمي بضاعة النسوة الكادحات من أجل قوت قليل. هذا واقع نعيشه بمهانة وذلة على بحر من ثروات الأرض.
والحب النزيه والخفيف والعميق في القصة هو من أهم مكوناتها. في هذه القصة القصيرة الناجحة تجد الحب الجميل ينفذ في شغاف قلب الرجل الأهوازي المُسن ذي الهيبة والوقار والصدق.. كذلك يتوغل ثنايا قلب المرأة، لكن لا يصل بر السلامة حيث الموانع والعقلية الأهوازية المتخلفة تسود على نمط المعيشة هنا.
وأخيرا… قصة “في سوق عبدالحميد” تقدم عيّنة ومعيارا جميلا عن القصة القصيرة الناجحة. سهولتها وسلاستها ونظمها وخفتها والاستفادة الجيدة من الإشارات والتصريحات الأدبية الثقافية السريعة الخفيفة…كلها أمورا تجعل القصة هذه مُؤثرة ومُعبرة ومحكمة. ولا ننسى سبرها الميداني للمنطقة إضافة إلى تبين سكولوجية المرأة الأهوازية تميّز وتقوي الحبكة الأدبية في سوق عبدالحميد.